- نفخ الروح:
بعد أن سوَّى الله - تعالى - الإنسان الأول وصوَّره، ثم صار صلصالاً؛ أي يبِس الطين بعد تصويره دبَّت الروح في جسد آدم - عليه السلام - قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72].
أضاف - سبحانه - الروح إلى ذاته، للإشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا هو - تعالى - وأن مَرَدَّ كُنهِها وكيفيه خذا النفخ، مما استأثر - سبحانه - به، ولا سبيل لأحد إلى معرفته، كما قال - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85][5].
وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - ملائكتَه قبل خلق آدمَ أنَّ عليهم أن يسجدوا لهذا المخلوق بعد أن تدبَّ الروح في جسده، قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]، هذه الآية تدلُّ على أنه - تعالى - لما نفَخ في آدم الروح وجَب على الملائكة أن يسجدوا له؛ لأن الفاء تفيد التعقيب وتمنع التراخي.
يقول صاحب الكتاب ما كان لهذا الكائنِ الصغير الحجم، المحدود القوة، القصير الأَجَل، المحدود المعرفة، ما كان له أن ينال شيئًا من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة (النفخة العلوية التي جعلت منه إنسانًا) وإلا فمَن هو؟ إنه ذلك الخلق الصغير الضئيل الهزيل الذي يحيا على هذا الكوكب الأرضي مع ملايين الأنواع والأجناس من الأحياء، وما الكوكب الأرضي إلا تابعٌ صغير من توابعِ أحدِ النجوم، ومن هذه النجوم ملايين الملايين في ذلك الفضاء الذي لا يدري إلا الله مداه... فماذا يبلغ هذا الإنسان لتسجدَ له ملائكة الرحمن إلا بهذا السر اللطيف العظيم؟! إنه بهذا السر كريم كريم، فإذا تخلَّى عنه أو اعتصم منه ارتدَّ إلى أصله الزهيد من طين"[6].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق