الفرق بين معنى قوله تعالى: ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة)
............... وقوله تعالى: (وأخذت الذين ظلموا الصيحة)
زياد السلوادي
كلتا الآيتين وردت في سورة هود، وكلتاهما اشتركت في نص واحد، ولكن الآية التي تحدثت عن ثمود قوم صالح جاء الأخذ فيها في صيغة المذكر (وأخذ)، أما الآية التي تحدثت عن مدين قوم شعيب فجاء الأخذ فيها في صيغة المؤنث (وأخذت).
وبتدبر سياق قصة ثمود نقرأ فيها:
(فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صلحاً والذين ءامنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز، (((وأخذ))) الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديرهم جثمين) هود: 65-67.
فنجد أن السياق سياق غضب، وذلك من خلال التتابع السريع للأحداث باستخدام فاء التتابع والتعقيب (فعقروها..فقال.. ثلاثة أيام.. فلما جاء أمرنا.. ومن خزي يومئذ.. هو القوي العزيز.. وأخذ)، وقد اقتضى هذا السياق الغاضب أن يتم ذكر المدة الزمنية المتبقية قبل وقوع العذاب وهي ثلاثة أيام، ثم ذكر أن العذاب فيه خزي أيضاً، ثم ذكر قوة الله تعالى وعزته، ثم يأتي الفعل (وأخذ) في صيغة المذكر لأن التركيز هنا هو على إبراز معنى الأخذ نفسه وليس التركيز على أداة الأخذ التي هي الصيحة، بدليل أن الأخذ قد خصصت له آية مستقلة ولم يكن مشتركاً مع الآية السابقة، فاقتضى ذلك أن يأتي الفعل في صيغة المذكر لأنه يعطي معنى أشمل وأعم من خلال تنكير الفاعل، ويشبه هذا الأمر أن يسأل سائل فيقول: ما الذي أخذ ثمود؟ فهو قد استخدم صيغة المذكر في (الذي) وفي (أخذ) بقصد العموم، أي بغض النظر عما كان ما أخذهم سواء صيحة (مؤنث) أم عذاباً (مذكر) أم أي شيء آخر.
أما قصة مدين حيث نقرأ:
(ويقوم اعملوا على مكانتكم إني عمل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كذب وارتقبوا إني معكم رقيب، ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين ءامنوا معه برحمة منا (((وأخذت))) الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديرهم جثمين) هود: 93-94.
فهو سياق عادي وبطيء وليس فيه الحدة والشدة التي في سياق آيات ثمود، وهو هنا يقول لقومه استمروا على ما أنتم عليه وأنا سأستمر على ما أنا عليه، ثم يقول (سوف تعلمون) ولا يقول (فسوف) لأنه يشترط وقوع العذاب باستمرارهم على مكانتهم ويترك لهم مجال العفو مفتوحاً إن رجعوا عن غيهم، ثم لا يحدد لهم مدة لوقوع العذاب بل يقول (وارتقبوا) مسبوقة بالواو لا بالفاء ليكون فعل الأمر معطوفاً على قوله (اعملوا) وليس لانتظار عذاب حتمي، ثم يأتي الحديث عن نجاة شعيب والذين آمنوا معه بادئاً بالقول (ولما) وليس (فلما) ليدل على التراخي والبطء، ثم أخيراً يأتي فعل الأخذ (وأخذت) في صيغة المؤنث ليجعل التركيز على أداة الأخذ التي هي الصيحة وليس على الأخذ نفسه كما حصل في سياق آيات ثمود الغاضب بدليل أن الأخذ قد اشترك في نفس الآية مع نجاة شعيب والذين آمنوا معه ولم تخصص له آية مستقلة كما في سياق ثمود.
وجميع ما ذكرنا يشير الى أن ذنب ثمود كان أشد وأعظم من ذنب مدين.
وبناء عليه فإن:
وأخذ: تفيد العموم والاشتمال لأن التركيز هو على الأخذ لا على الصيحة.
وأخذت: تفيد التخصيص لأن التركيز هو على الصيحة لا على الأخذ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق