السبت، 27 مارس 2021

الفرق بين رسم ( الأدبار ) ورسم ( الأدبر )

 

الفرق بين رسم ( الأدبار ) ورسم ( الأدبر )
زياد السلوادي

ذكرت لفظة الأدبار في القرآن الكريم 13 مرة في سياقات ثلاثة، الأول هو موقع الدبر (الظهر والقفا) من جسم الإنسان، والثاني في معنى ظرف الزمان (بعد)، والثالث في معنى الانهزام في الحرب،. فأما الأدبار التي تعني ذلك الجزء من جسم الإنسان فقد وردت جميعاً برسم (الأدبر) بغير الألف في مثل:
(ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبرهم) الأنفال: 50.
(فأسر بأهلك بقطع من اليل واتبع أدبرهم) الحجر: 65.
وأما المرة التي وردت فيها اللفظة في معنى الظرف ففي:
(ومن اليل فسبحه وأدبر السجود) ق: 40.
وأما الأدبار التي في سياق الانهزام من الحرب فقد رسمت أحياناً بالألف (الأدبار)، وأحياناً أخرى بغير الألف (الأدبر)، وفي هذا السياق تبرز لنا دقة التعبير القرآني العظيمة في الفرق بين الرسمين، فحين ترسم بالألف (الأدبار) فإن الألف تفيد مسافة مكانية لأنها تعبر عن وجود مكانين في السياق القرآني للآية، فإما أن يكون هذا المكان هو المسافة بين الفئتين المتقاتلتين بحيث تذكر الفئتان معاً في مثل:
(وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) آل عمران: 111.
حيث أن قوله (يولوكم) يحتوي على ضميرين أحدهما مستتر وهو الفاعل من (يولوا) والآخر ضمير المخاطب المتصل (كم)، والضميران تقديرهما (هم وأنتم). وذكرهما هنا يعبر عن وجود مسافة بين الفئتين المتقاتلتين، ولهذا جاء رسم الكلمة بالألف (الأدبار).
كذلك في:
(إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) الأنفال: 15.
وهنا أيضاً نجد الضميرين معاً في (تولوهم) وتقديرهما (أنتم وهم). أي أن الفريقين مذكوران معاً في الفعل، فتأتي الألف لتعبر عن المسافة بينهما (الأدبار).
أو تكون المسافة بين مكان ثابت وبين فئة من الناس لها علاقة بهذا المكان في مثل:
(يقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خسرين) المائدة: 21.
والألف هنا تعبر عن المسافة التي سيرتد من خلالها بنوا إسرائيل عن الأرض المقدسة بعد دخولهم.
(يأيها الذين أوتوا الكتب ءامنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها) النساء: 47.
والألف هنا تعبر أيضاً عن المسافة التي سترتد فيها الوجوه على أدبارها، وقد ذكر الارتداد هنا أيضاً كما في الآية السابقة ليعبر عن مسافة.
أما الآيات التي جاءت في سياق الانهزام من الحرب ورسمت فيها الكلمة بغير الألف (الأدبر)، فقد جاء السياق فيها يصف تولية الأدبار لفريق واحد ولا يذكر معه الفريق الآخر في فعل التولي، أي بمعنى أن لا مسافة بين فريقين لأن الفريق الآخر غير مذكور في الفعل:
(ولقد كانوا عهدوا الله من قبل لا يولون الأدبر) الأحزاب: 15.
حيث نجد الفعل (يولون) يتحدث عن ضمير مستتر واحد تقديره (هم)، ولا نجد ذكراً للفريق الذي سيولون منه الأدبار، بمعنى أن لا مسافة بين فريقين. ولذلك رسمت الكلمة بغير الألف (الأدبر).
(ولئن نصروهم ليولن الأدبر ثم لا ينصرون) الحشر: 12.
ونجد هنا أيضاً (ليولن) فعلاً يحتوي ضميراً واحداً تقديره (هم).
(ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبر ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً) الفتح: 22.
وهنا أيضاً نجد للفعل (لولوا) ضميراً واحداً تقديره (هم).
وخلاصة القول إن فعل التولية هو الذي يحكم رسم كلمة الأدبار في سياق القتال، فحين يحتوي على ضميرين (يولوكم ، تولوهم) يأتي الرسم بالألف (الأدبار)، وحين يحتوي على ضمير واحد (يولون ، ليولن، لولوا) يأتي الرسم بغير الألف (الأدبر).
والله تعالى أعلى وأعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(صاحب الحوت) و(وذا النون) و(يونس) ذكرت فى القرآن الكريم محسوبة بدقة متناهية

  في القرآن الكريم تأتي الالفاظ دقيقة الاستعمال وافية البلاغة ، فلكل حرف مدعاة للاستعمال ، وموقع كل كلمة هو رتبة محسوبة بدقة متناهية ، فلا ك...