الفرق بين معنى ( أولم ) ومعنى ( أفلم )
زياد السلوادي
كلتا اللفظتين تحمل معنى الاستفهام الإنكاري الذي لا يجاب عليه إيجاباً إلا بلفظة (بلى)، كقوله تعالى لإبراهيم (أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي). وقد استخدم القرآن الكريم اللفظتين في عديد من الآيات بلغت دقته في اختيار إحداهما وتفضيلها على الأخرى في السياق مبلغاً لا يجاريه فيه قول الفصحاء والبلغاء والخطباء والشعراء من البشر.
ولكي نفهم الفرق الدقيق بين معنى (أولم) ومعنى (أفلم) نضرب مثلاً رجلاً أوصى ابنه بعدم ارتياد المقاهي، ونصحه بارتياد المكتبات العامة، ثم بعد سنة من ذلك جاء الولد يشكو لأبيه من مشكلة حدثت له في المقهى، فيقول له الأب: أولم أنهك عن ارتياد المقاهي؟ فيجيب الولد: بلى ولكن ارتياد المكتبات يكلفني من المال أكثر من ارتياد المقاهي. فيقول الأب: خذ ما شئت من مال من خزينتي يكفيك لارتياد المكتبات العامة.
وفي اليوم التالي جاء الولد يشكو لأبيه مرة أخرى من مشكلة حدثت له في المقهى، فيغضب الأب ويصرخ في ابنه: أفلم أعطك من المال ما يكفيك لارتياد المكتبات وترك المقاهي؟
من هذا المثل نفهم أن (أولم) تستخدم لاستنكار نتيجة سلبية وصل إليها المكلف بصورة غير مباشرة، مما يعني أنه قد يكون لديه حجة أو شبه حجة في إخفاقه في الوصول الى نتيجة إيجابية، كما حدث مع إبراهيم عليه السلام حيث كانت حجته أنه يريد معرفة الكيفية التي يحيي الله تعالى بها الموتى ولم يكن يشك في قدرة ربه على إحياء الموتى. أما (أفلم) فتستخدم لاستنكار النتيجة السلبية التي وصل إليها المكلف ولتقريعه وتوبيخه أيضاً، لأنه ليس لديه حجة ولا شبه حجة في إخفاقه، حيث كانت كل أمور نجاحه ميسرة.
وقد ذكرت لفظة (أولم) في القرآن الكريم 35 مرة في 21 سورة، واستخدمت لفظة (أفلم) 12 مرة في 12 سورة، وحين نستعرض بعض الآيات التي وردت فيها كلتا اللفظتين يتضح لنا الفرق في المعنى بصورة أوضح.
(أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين) الأعراف:184.
استخدمت الآية (أولم) استنكاراً لعدم تفكر الكفار في كون رسولهم به جنة أم هو رسول حقاً. مما يعني أن لديهم شبه حجة في أن قدرتهم على التفكر لم تكن كافية للإيمان برسولهم. مع ملاحظة أن شبه الحجة لا تعفيهم من المسئولية.
(ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا) الفرقان:40.
واستخدمت الآية (أفلم) لتقريع الكفار الذين رأوا بأعينهم كيف دمر الله تعالى القرية التي أمطرت أمطرت مطر السوء من خلال مرورهم بهذه القرية، أي أنهم ليس لديهم حجة ولا شبه حجة في الاستمرار على الكفر بعد أن رأوا عاقبته بأعينهم.
(قالوا أولم ننهك عن العلمين) الحجر:70.
استخدمت الآية (أولم) وقد قيلت على لسان قوم لوط وهم يستنكرون استمرار لوط في دعوته وفي دفاعه عن ضيفه رغم أن القوم كانوا قد نهوه عن ذلك، وقد كان للوط حجة قوية في دعوته وفي دفاعه عن ضيفه وتقديم بناته للقوم مقابل تركهم ضيوفه وشأنهم.
(وأما الذين كفروا أفلم تكن ءايتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوماً مجرمين) الجاثية:31.
واستخدمت الآية (أفلم) تقريعاً للكفار يوم القيامة، لأنهم لم يؤمنوا في الدنيا رغم ما قدم إليهم من آيات فيها براهين ساطعة لا تترك لهم حجة في استمرارهم في الكفر، ولكنهم استكبروا وظلوا على كفرهم وإجرامهم.
بقي أن نشرح الفرق بين آيتين تشابهتا في المحتوى ولكن استخدمت إحداهما (أولم)، واستخدمت الأخرى (أفلم).
(أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينت فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) الروم:9.
(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وءاثاراً فى الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) غافر:82.
أما آية الروم التي استخدمت (أولم) فقد سبقتها آية تذكر أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا فقط، وكأنها التمست لهم شبه حجة في عدم سيرهم في الأرض (يعلمون ظهراً من الحيوة الدنيا وهم عن الأخرة هم غفلون) الروم:7.
وأما آية غافر التي استخدمت (أفلم) فقد جاءت في سياق مختلف، حيث تذكر الآيات التي قبلها حصول الكفار على وسائل نقل تؤهلهم للسير في الأرض والاعتبار بما حدث لمن كانوا أشد منهم قوة، وذلك في سياق الآيات (الله الذي جعل لكم الأنعم لتركبوا منها ومنها تأكلون، ولكم فيها منفع ولتبلغوا عليها حاجة فى صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون، ويريكم ءايته فأي ءايت الله تنكرون، أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم....) غافر:79-82. فكان في إمكانهم ركوب ما يسره الله لهم من الأنعام ومن الفلك ليسيروا في الأرض، وهذا يعني أن ليس لهم حجة ولا شبه حجة في عدم الاعتبار بمصير من كانوا قبلهم.
من هنا يتضح لنا أن:
(أولم) تستخدم للاستنكار مع وجود حجة أو شبه حجة لمن أخفق.
(أفلم) تستخدم للاستنكار والتقريع والتوبيخ لمن أخفق وليس لديه حجة ولا شبه حجة في إخفاقه.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق