لمخاطَب في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ هم الظالمون كما هو ظاهر وقوع الآية والذي يؤكِّد أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ هو مجيئهم لله تعالى مجرَّدين من كلِّ شيء من الأهل والمال والأرباب هو تمام الآية المباركة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾(6) فإنَّ الواضح من تمام الآية هو التصدِّي لبيان ما ورد في صدرها أي انَّها بصدد البيان لمعنى قوله: ﴿فُرَادَى﴾ فإنَّ معنى ذلك هو انَّهم يرحلون إلى الله تعالى على مثل حالهم حين جاءوا إلى الدنيا مجرَّدين من كلِّ شيء، ثم أفادت الآية لمزيدٍ من الإيضاح: ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ أي وتركتم ما كنَّا قد منحناه لكم في الدنيا من أموالٍ وأولادٍ وعشيرة، وكذلك فإنَّ ما كنتم تُعوِّلون على نفعهم لكم بعد الموت وهي الأرباب التي كنتم تتوهمون انها تُقربِّكم إلى الله زلفى وانَّها ستكون سبباً لنجاتكم من عذاب الله تعالى، هذه الأرباب سوف لن تكون معكم ولن تنفعكم بشيء: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.
فهذا هو معنى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ وذلك لا يُنافي قوله تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا﴾ (7) فإنَّ معنى ذلك هو عرض الناس على الله تعالى للحساب صفوفاً أي ليسوا مبعثرين ولا يحجب بعضُهم بعضاً، ويكون موقع كلِّ فردٍ من هذه الصفوف بلحاظ انتمائه، فكلُّ امةٍ يكون لها صفَّاً أو صفوفاً تتمايز به عن صفوف الأمم الأخرى كما قال تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إلى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (8).
وعرضهم كذلك على هيئة صفوف لا ينفي انَّ كلَّ فردٍ من هذه الصفوف يُحاسب وحده على كلِّ ما كان قد فعله واجترحه، فلا يُعينه من أحد، ولا تتحمَّل عشيرته شيئاً من وزره، ولا يُسعفه ماله وسلطانه الذي كان بيده في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾(9) وكما قال جلَّ وعلا: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾(10).
كلَّ فردٍ من ذلك الصف يشغله شأنه عن شأن الآخرين، فهو لا يعبأُ بغيره ولا يعبأُ غيرُه به، لذلك صح القول بأنَّهم يجيئون ربَّهم فرادى وإن كان عرضهم للحساب على هيئة الصفوف، كما هو شأن الطلبة المكلَّفين بالامتحان فإنَّهم يُجمعون للامتحان في موقعٍ واحد إلا انَّ كلَّ فردٍ منهم وحده المسئول عن الإجابة على أسئلة الامتحان، لذلك يصحُّ أنْ يقال: كلُّ طالب فهو يُمتحَن وحده وبمفرده رغم انَّه يكون حين تقديم الامتحان جالساً في ضمن مجموعةٍ من زملائه وأقرانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق