الاثنين، 3 أكتوبر 2022

لمسات بيانية من سورة طه - 2 -



 

من موقع اسلاميات

.

آية (70):

*في سورة طه (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)) ووردت (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) فما دلالة التقديم والتأخير؟ (د.فاضل السامرائى)

ذكرنا في أكثر من مناسبة أن التقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد. بالنسبة لهارون وموسى وموسى وهارون ذكرناها في أكثر من مناسبة في سورة طه قدم هارون على موسى (هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ). وقسم ذهبوا إلى أنه قدم موسى على هارون في طه لتواصل الفاصلة القرآنية باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف (الفاصلة القرآنية) وفي الشعراء هي هكذا. الحقيقة في هاتين السورتين نلاحظ في سورة طه تكرر ذكر هارون كثيراً وجعله الله تعالى شريكاً لموسى في التبليغ ولم يذكر هذا في الشعراء. على سبيل المثال في طه قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)) كلها بالتثنية (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)) حتى خطاب فرعون كان لهما على سبيل التثنية (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء مرة قال (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) فقط والباقي كل الكلام مع موسى والخطاب موجه إلى موسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لم يقل ساحران. هنالك أمر آخر في طه ذكر خوف موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)) لكن لم يذكر أن هارون خاف موسى هو الذي خاف نحن لا نعلم إذا خاف هارون لكنه لم يذكرها وذكر خوف موسى. عندنا تقديم وتأخير، في حالة الخوف يقدّم هارون على موسى وفي حالة عدم الخوف قدم موسى على هارون إضافة إلى السياق إذن الحالتين ليستا متماثلتين. موسى خاف في سورة طه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)) قدم هارون على موسى لأن موسى هو الذي خاف فأخّر الخائف.

*هل يجوز أن نقول أن للفاصلة القرآنية دخل في هذا التقديم والتأخير؟ (د.فاضل السامرائى)

نحن لا ننكر، لكن لا ينبغي أن نقول نقصره على الفاصلة القرآنية لأنه أحياناً القرآن يضرب الفاصلة القرآنية إذا اقتضى الأمر (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) ليس فيها مراعاة للفاصلة وكثيراً في القرآن لا ينظر إلى الفاصلة القرآنية.

هناك في قصة السحرة الذين جاء بهم فرعون مرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) ومرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) فعندنا سبعين ساحراً منهم من قال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ومنهم من قال (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) قال بعض المفسرين أن الله تعالى حتى ينقل لنا الصورة كاملة نقلها بهذين الشكلين حتى يأتي لنا بالصورة كاملة لأنه ليس كل السحرة قالوا نفس القول؟ جمع الله تعالى الآيتين فأعطانا الصورة كاملة عما قاله السحرة.

آية (71):

* ما دلالة استخدام (في) في قوله تعالى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (71) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)

قوله تعالى (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) هذه اعتبروها في باب المجاز والأصل كما يرون يقولون على جذوع النخل لكن (في جذوع) أي يثبتهم فيها يجعلها كأنها قبور لهم، هم قالوا هكذا ، (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يعني يثبتهم فيها ويجعل جذوع النخل كأنها قبور لهم ليس فقط يضعهم عليها، ولو قال (على) لا يؤدي هذا المعنى لكن (في) كأنه يُدخِلهم فيها. (على) باعتبار ارتفاع عالي.

*  إسم الاستفهام يعمل فيه ما بعده وليس ما قبله وله صدر الكلام قال تعالى (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه) والجملة كلها مفعول به.

آية (75):

*ما دلالة استعمال التذكير والجمع في قوله تعالى((وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75))؟(د.حسام النعيمى)

غالباً لو نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أنه مع (من) إبتداءً يُراعي لفظها لفظ المفرد المذكر فيقول مثلاً (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) فأحياناً ينظر لمّا يكون الكلام عن المفرد يكون دائماً على الإفراد لكن لما يكون عن الجمع يبدأ بالإفراد مراعاة للفظ (من).

 آية (76):

* هل يحتمل معنى قوله تعالى (جنات تجري من تحتها الأنهار) أن الجنات تجري؟ (د.فاضل السامرائى)

لا أعلم إذا كانت الجنات تجري لكن بلا شك أن الأنهار تجري فالجريان يكون للأنهار في الدنيا كما في قوله تعالى في سورة طه (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)) وفي مواطن أخرى لكن هل هناك أمر آخر أن الجنات تجري؟ الله أعلم لكن الأمر فيها أن قطعاً الأنهار تجري ويمكن من قدرة الله تعالى أن تجري الجنات في الآخرة ولكن هذا ليس ظاهراً مما نعرفه.

آية (77):

*ما دلالة (لا) في آية سورة طه (لاتخاف دركاً ولا تخشى )؟ (د.فاضل السامرائى)

لا هنا من باب النفى مثل قوله تعالى (لا تغرنّكم الحياة الدنيا) .

*ما الفرق من الناحية البيانية بين قصة غرق فرعون في آيات سورتى يونس وطه؟ (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة طه (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى {77} فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {78}). وقال في سورة يونس (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}) إذا لاحظنا الآيات في السورتين نرى ما يلي:

1.      استخدام واو العطف في قوله (فرعون وجنوده) وهذا نص بالعطف فرعون أتبع موسى وهو معه وهذا تعبير قطعي أن فرعون خرج مع جنوده وأتبع موسى. أما في سورة طه استخدم الباء في قوله (فأتبعهم فرعون بجنوده) والباء في اللغة تفيد المصاحبة والإستعانة، وفي الآية الباء تحتمل المصاحبة وتحتمل الإستعانة بمعنى أمدهم بجنوده ولا يشترط ذهاب فرعون معهم.

2.      والتعبير في سورة يونس يوحي أن فرعون عازم على البطش والتنكيل هو بنفسه لذا خرج مع جنوده وأراد استئصال موسى بنفسه للتنكيل والبطش به لآن سياق الآيات تفرض هذا التعبير، ذكر استكبار فرعون وملئه (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ {75}) فذكر أنهم مستكبرون ومجرمون وذكر أنه ما آمن لموسى إلا قليل من ومه على خوف من فرعون وملئه وذكر أيضاً أن فرعون عال في الأرض ومسرف كما ذكر أنه يفتن قومه ومآل الأمر في سورة يونس أن موسى u دعا على فرعون وقومه (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فذكر بغياً وعدواً مناسب لسيلق الآيات التي ذكرت عذاب فرعون وتنكيله بموسى وقومه. ولم يذكر في سورة طه أن فرعون آذى موسى وقومه ولم يتعرض لهذا الأمر مطلقاً في سورة طه لذا فالسياق هنا مختلف لذا اختلف التعبير ولم يذكر (بغياً وعدوا) ليناسب سياق الآيات في التعبير.

3.      بعد أن ضاق قوم موسى ذرعاً بفرعون وبطشه تدخل الله تعالى فتولّى أمر النجاة بنفسه فقال تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}) وكان الغرق لفرعون وإيمان فرعون عند الهلاك هو استجابة لدعوة موسى r  (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)، أما في سورة طه فقد جاء الأمر وحياً من الله تعالى لموسى r ولن يتولى تعالى أمر النجاة بنفسه وإنما خاطب موسى بقوله (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) ثم قال تعالى (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) ذكر غرق قوم فرعون.

كل هذه الإختلافات بين المشهدين في القصة هو ما يقتضيه سياق الآيات في كل سورة.

آية (78):

*ما اللمسة البيانية في استعمال كلمة (اليم) في قصة سيدنا موسى مع فرعون؟ (د.فاضل السامرائى)

اليمّ كلمة عبرانية وقد وردت في القرآن الكريم 8 مرات في قصة موسى وفرعون فقط لأن قوم موسى كانوا عبرانيين وكانوا يستعلون هذه الكلمة في لغتهم ولا يعرفون كلمة البحر ولهذا وردت كلمة اليمّ كما عرفوها في لغتهم آنذاك.مثل استعمال(سيدها) مع امرأة العزيز وهى كلمة قبطية.

*(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه) هل الهداية ثمرة للإيمان والعمل الصالح؟ وما هي اللمسة البيانية في الآية؟ (د.فاضل السامرائى)

(ثم) قد تكون المعنى المشهور أنها للترتيب والتراخي وقد تأتي فقط لترتيب الإخبار ويؤتى بها ما هو أعظم مما قبلها. مثال أعجبني ما صنعته اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب. هذا قبل هذا يعني ما بعدها يكون قبل ما قبلها (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1) الأنعام) وفي سورة البلد (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)) الإيمان أعلى من أن تطعم واحداً أو تفط رقبة إذا لم يؤمن فليس في عمله فائدة فبدأ بما هو أعلى ليس من باب التراخي في الزن وإنما فيما هو أهم في هذا السياق (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا (30) فصلت) إذن ليس بالضرورة (ثم) للتراخي الزمني وإنما لتراخي الإخبار.

آية (85):

* ما اللمسة البيانية في استعمال فَتَنَّا، أضَلَّهُم في قصة موسى u في سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)

هناك خط عام في القرآن الكريم وهو أن الله تعالى لا ينسب الشرّ لنفسه مطلقاً. وفي قوله تعالى (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) نسب الفتنة إليه سبحانه وتعالى وهذه الفتنة ليست شراً وإنما هي ابتلاء فالله تعالى خلق الموت والحياة للابتلاء الذي هو مُراد الله تعالى للبشر وهو من أغراض الخلق (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان).

آية (93):

*ما دلالة استخدام (لا) في قوله تعالى (ألاتتبعن)؟ (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) هي ليست نافية ولكنها بمعنى من منعك من اتباعي.

النحويون يقولون أن (لا) زائدة فهي لا تغيّر المعنى اذا حُذفت وإنما يُراد بها التوكيد ومنهم من قال أنها صلة. فلو قلنا مثلاً (والله لا أفعل) وقلنا (لا والله لا أفعل) فالمعنى لن يتغير برغم إدخال (لا) على الجملة. أما في آيات القرآن الكريم فلا يمكن أن يكون في القرآن زيادة بلا فائدة. والزيادة في (لا) بالذات لا تكون إلا عند من أمِن اللبس، بمعنى أنه لو كان هناك احتمال أن يفهم السامع النفي فلابدمن زيادتها.

وعليه مثلاً من الخطأ الشائع أننا نقول أعتذر عن الحضور وإنما الصحيح القول: أعتذر عن عدم الحضور.

آية (94):

*ماد لالة ذكر وحذف (يا) في قوله تعالى (ابن أوم) في سورة الأعراف و(يبنؤم) في سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة طه (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي {86} قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ {87}‏ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ {88} أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً {89} وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي {90} قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى {91} قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا {92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي {93}قَالَ يَبْنَؤمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي {94}) وفي سورة الأعراف (قَالَ ابْنَ أُومَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {150}) ذكر الحرف وعدم ذكره له دوافع والقاعدة العامة فيه أنه عندما يكون السياق في مقام البسط والتفصيل يذكر الحرف سواء كان ياء أو غيرها كما في سورة طه حيث ذُكرت فيها كل الجزئيات وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز ويحذف الحرف إذا لم يؤدي ذلك إلى التباس في المعنى كما في سورة الآعراف .وكذلك في قوله (أئن لنا لآجراً) قد يكون مقام التوكيد بالحرف.

* يرد في القرآن ذكر سيدنا موسى وهارون ويرد خطاب هارون لموسى بقوله (يا ابن أوم) فهل هذا أسلوب استعطاف وتليين أو هو أسلوب يشير إلى أنهما ليسا إخوة أشقاء؟ (د.فاضل السامرائى)

على الأرجح أن موسى وهارون كانا أخوان شقيقان لكن يقولون للترقيق ثم هنالك أمر لأن ربنا ما ذكر أبو موسى وإنما ذكر أمه هي التي خافت وكادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها وقالت لأخته قصيه وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً وهي التي قاست فهذا تذكير بأمه فقال (يا ابن أؤم). ليس معنى هذا أنهما ليسا من أب واحد هما شقيقان ولكن هذا تذكير بأمه لما قاست.

*(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه) ما هو سبب الجزم في ترقبْ؟ (د.فاضل السامرائى)

وجود (لم) الجازمة مثل لم يلد ولم يولد.

آية (96):

* ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة) وسولت (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) طه) (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (18) يوسف)؟ (د.فاضل السامرائى)

سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً" الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.

التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.

آية (97):

*في سورة طه (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ (97)) ما معنى لا مساس؟(د.أحمد الكبيسي)

لا مساس أي لا يمسه أحد. السامري كان يستحق القتل لأنه ارتد وتسبب في ردة بني إسرائيل لكن الله تعالى بعث جبريل فقال لموسى لا تقتل السامري لأنه سخيّ والله يحب الأسخياء فالله تعالى خفف العقوبة عليه فقال (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ (97)) إذا واحد صافحه يصاب بالحمى فوراً، كلما لمس أحداً من الناس أصيب بالحمى فكان لا يصافح أحداً ولا يمسه أحد وهذه عقوبته مكان الإعدام.

* في سورة طه (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)) الفعل الوحيد الذي ورد بهذه الصيغة وهي حذف أحد حرفي التشديد مع أن المقام مقام مبالغة في العكوف وليس مقام تقليل إذا اعتمدنا أن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى فما العِلة من ذلك؟ (د.فاضل السامرائى)

العرب وقريش وغيرها قد تخفف من الفعل المضعّف إذا صادفه تسكين. أصل الفعل ظلِلْت مضعّف. فعندهم هذا وقسم من العرب عندهم لغة قالوا هم بنو سُليم يحذفون دائماً ليس فقط في الفعل بل ما كان شبيهاً بالمضاعف إذا سُكّن آخره قلا يقولون أحسست وإنما أحست ولا يقولون هممت وإنما همت، صددت – صدت. هذه لغة من لغتهم فهذه لغة. يبقى السؤال لماذا استعمل هذه اللغة هنا مع العلم أنه لم يحذف في المضعف (إن ضللت، صددت) فلماذا استعملها هنا؟ استعملها في القرآن مرتين: هنا وفي سورة الواقعة (فظلتم تفكهون). هنالك ظاهرة عامة في القرآن الكريم أن القرآن يحذف من الفعل إذا كان زمنه أقل مثل (تتوفاهم وتوفاهم) الذي زمنه أقل يحذف منه مراعاة بين قصر الفعل والزمن. هذه ظاهرة عامة في القرآن الكريم منتشرة متسعة (استطاعوا، اسطاعوا، تتنزل، تنزل) تتنزل أكثر من تنزل لأن تلك في ليلة واحدة ليلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) أما الثانية (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) في كل لحظة فقال تتنزل.

هنا (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) يتكلم عن السامري الذي صنع العجل، كم ظلّ عاكفاً عليه؟ على مدة ذهاب موسى u وعودته وليس كالذي يعبد الأصنام طول عمره لكن بمقدار ما ذهب موسى u وعاد وقال له (لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا). إذن هذا البقاء قليل فحذف من الفعل لأن هذه العبادة لا تشبه عبادة الآخرين الذين يقضون أعمارهم في عبادة الأصنام لكن هذه مدة قصيرة بمقدار ما ناجى موسى ربه ثم عاد فحذف من الفعل إشارة إلى قصر الزمن. حتى في سورة الواقعة (لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)) بداية الآيات (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)) تفكهون، كم يتكلم؟ قليل فحذف من الفعل.         

وعلى الأكثر أن اللام الوسطى المكسورة هي التي تُحذف، أصل الفعل ظلِلْت لكن ليس فيها قاعدة.

*ماالفرق بين النسف و التسيير في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)

النسف قد يكون له معنيان إما الإقتلاع والإزالة وإما التذرية في الهواء كما جاء في قصة السامري فى سورة طه(قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً {97}). والنسف والتسييرللجبال هي من مشاهد يوم القيامة كالدكّ والنصب وغيرها فهي تتابعات مشاهد يوم القيامة فتكون الجبال كالعهن المنفوش ثم يأتي النسف والتذرية فى النهاية.

آية (101):

*ما الفرق بين الحِمل و الحَمل؟ (د.فاضل السامرائى)

الحَمْل مصدر والحِمل ما يُحمل (خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) طه) يحمل على الظهر، (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ (31) الأنعام) أما الحَمل هو المصدر أو ما لا يرى بالعين (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا (189) الأعراف).

آية (105):

*بخصوص الآيات التي وردت بصيغة (يسألونك) وغيرها (ويسألونك) فما اللمسة البيانية في ورود الواو وعدمه؟(د.فاضل السامرائى)

يسألونك و(ويسألونك) له مواضع في القرآن. أحياناً تقع الأسئلة في وقت واحد، عدة أسئلة في موضع واحد في وقت واحد فالسؤال الأول (يسألونك) وفي الأسئلة الأخرى يقول (ويسألونك)، مثال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (219) البقرة) هذا ابتداء هذا أول سؤال وبعدها يأتي (ويسألونك) (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (219) البقرة) عطف على السؤال الأول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى (220) البقرة) وبعدها (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (222) البقرة) هذا سؤال آخر إذن السؤال الأول بدون واو (يسألونك) هذا ابتداء والآخر عطف على السؤال الأول فتأتي بالواو، هذه قد تكون من المواطن. هذا أمر أو يقع ضمن متعاطفات يعني السياق فيه متعاطفات فيقع السؤال ضمن المتعاطفات، مثلاً (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ (79) الإسراء) (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (80) الإسراء) (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ (81) الإسراء) عطف كلها نفس السياق (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (82) الإسراء) (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ (83) الإسراء) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85) الإسراء) وبعدها (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (86) الإسراء) وبعدها (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ (89) الإسراء) لاحظ كلها في سياق المتعاطفات ابتداء إذن (ويسألونك) عطف على المتعاطفات الكثيرة وهذا هو السياق أصلاً. أو واقع ضمن مشهد يحسن السؤال أو يتناسب السؤال مثل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) هذه واقعة ضمن مشاهد القيامة قبلها قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107 طه) السياق هو هكذا (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) هي وقعت في أمر يتناسب فيه السؤال. إذن إما أن تكون ضمن أسئلة متعددة فيبدأ بالأول بلا واو والأخرى عاطفة أو هو ضمن متعاطفات كما ذكرنا أو الموقف يحسُن فيه السؤال.

آية (108):

* هل نقول الرجل داعي أم داعية؟ (د.فاضل السامرائى)

ليس بينهما تعارض لكن الداعية فيها مبالغة إذا كان مكثراً من الدعوة يقال له داعية لأن (فاعلة) من أوزان المبالغة. الأصل داعي إسم فاعل (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ (108) طه) فإذا أردنا المبالغة نقول داعية كما نقول داهية. هذا ليس مؤنثاً، التاء يؤتى بها للمبالغة وتاء التأنيث هي ليست فقط للتأنيث (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الهمزة) التاء تدل على التكثير، فاعلة وفعّالة من أوزان المبالغة رجلٌ علّامة وفهّامة من أوزان المبالغة، علاّم وعلاّمة من لأوزان المبالغة، داهية من أوزان المبالغة.

آية (110):

*لماذا ذكر نفي الإحاطة بالذات في سورة طه ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي؟ (د.فاضل السامرائى)

في قوله تعالى في سورة طه: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) أي بذاته في المعنى. إذن في سورة طه جاءت الآية تعقيباً على عبادة بني اسرائيل للعجل وقد صنعوه بأيديهم وأحاطوا به علماً والله لا يحاط به، لقد عبدوا إلهاً وأحاطوا به علما فناسب أن يقول (ولا يحيطون به علما).أما في آية الكرسي فالسياق عن العلم (يعلم ما بين أيدينا) وبعد هذه الجملة يأتي قوله (ولا يحيطون بعلمه إلا بما شاء) وهذه الجملة هي توطئة لما سيأتي بعدها.

 آية (117):

* خاطب تعالى آدم لوحده ومرة خاطب آدم وحواء والخطاب كان مرة واحدة بصيغ متعددة فكيف نفهم الصيغ المتعددة في الخطاب؟ (د.فاضل السامرائى)

من الذي قال أن الخطاب مرة واحدة؟. ربنا قال في القرآن (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) طه) هذا الخطاب غير ذاك الخطاب. (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا (123) طه) (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً (38) البقرة) من أدراه أن الخطاب كان واحداً؟ لما قال (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا (19) الأعراف) غير (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (22) الأعراف) هذا وقت متغير.

آية (120):

 * ما الفرق بين النزغ والوسوسة ؟ (د.فاضل السامرائى)

من حيث اللغة النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء تحديداً، بين الإخوان، بين الناس (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (36) فصلت) النزغ هو أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، هذا هو النزغ في اللغة، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم. الوسوسة شيء آخر وهي عامة، يزين له أمر، يفعل معصية، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص بأن يحمل بعضهم على بعض وأن يفسد بينهما. قال تعالى (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف)، لم يقل وسوس. مع آدم وحواء لم يكن هناك خصومة بينهما لكن مع إخوة يوسف كان هناك خصومة فقد حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا. الوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ. هنا(نزغ الشيطان) الحالة الخاصة للحالة الخاصة وهذه الحالة هي هكذا بين يوسف وإخوته، هذا هو المعنى اللغوي. يقولون أصل الوسوسة الصوت الخفي ويكون مسموعاً أحياناً وأحياناً يكون غير مسموع وإنما يبقيه الشيطان في نفس الإنسان (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) والصدر هو الممر إلى القلب فإذا وسوس في الصدر الشيطان يريد أن يملأ الساحة بالألغام كما يفعل الأعداء في الحرب. وقد تكون الوسوسة بالكلام المسموع، همس أو كلام خفي بينك وبين أحد بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلاماً باللسان (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) سماها القرآن وسوسة ثم قال (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف) قاسمهما أي حلف لهما بالله ولذلك لما رب العالمين عاتب آدم قال آدم: يا رب ما كنت أظن أحداً يحلف بك كاذباً. الوسوسة إذن تكون في الصوت المسموع أحياناً وبالصوت غير المسموع أحياناً.

سؤال: كلمة وسوس فيها هدوء وخفية وفيها تكرار مقطع (وس/وس) فهل هي مرتبطة بكلام سيئ أو خبيث؟

 هكذا يبدو من استعمالها لماذا لا يظهر هذا الكلام إلا إذا كان هناك ما يريد أن يخفيه عن الآخرين؟.

 * يقولون أن الشيطان حاول أن يوسوس لآدم فلم يقدر عليه ثم تحول لحواء فقدر عليها فهل هذا صحيح؟ (د.فاضل السامرائى)

هوعز وجل أصلاً لم يذكر حواء في الوسوسة إنما قال:(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) ثم قال (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا (20) الأعراف) ما هنالك آية أفرد فيها حواء. إما أن يقول آدم أو يجمعهما معاً. حتى في قوله (فتشقى) هو الذي يكدح ولم يقل فتشقيا.

آية (123):

* ما الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)البقرة) و(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (123) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)

الذي يوضح قراءة الآيات. في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)) ننظر ماذا قال في طه الخطاب لآدم (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)) في البقرة (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا) أما في طه (فَأَكَلَا مِنْهَا) في طه الكلام موجه لآدم وفي البقرة موجه لآدم وحواء إذن اهبطوا في البقرة أي آدم وحواء وإبليس، في طه آدم وإبليس وحواء تابعة. الخطاب في طه موجه إلى آدم (لا تظمأ، فوسوس إليه، فتشقى، فعصى آدم ربه،) فكان الكلام (اهبطا) لآدم وإبليس وحواء تابعة (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) الكلام متصل بآدم، (وعصى آدم ربه فغوى، فوسوس إليه) السياق لآدم هنا (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) الكلام على آدم فقال اهبطا وحواء ليست هي في السياق قال اهبطا أي آدم وإبليس ولما دخلت حواء في السياق في سورة البقرة قال اهبطوا أي آدم وحواء وإبليس لأن بعضكم لبعض عدو.

* ياء المتكلم متى تُسَكَّن ومتى تُحرَّك مثل وجهيَ ووجهي؟(د.فاضل السامرائى)

السؤال هو متى تكون الياء مفتوحة ومتى تكون ساكنة؟ ذكرنا في حينها الفتح الواجب، فتح ياء المتكلم وجوباً لها مواطن وجوب الفتح وما عدا ذلك جواز.

  • بعد الألف المقصورة الياء يجب أن تكون مفتوحة مثل (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) لا بد أن تفتح الياء.
  • بعد المنقوص لا بد من فتح الياء: معطي، معطيَّ، أنت معطيَّ كتاباً تحذف النون هذا إسم لا تكون فيه النون، هل أنت منجيَ من عذاب الله؟ الياء لا بد أن تُفتح بعد المنقوص.
  • بعد المثنى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح).
  • بعد جمع المذكر السالم (وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم) وكما في الحديث "أومخرجيَ هم؟" ما عدا هذا يجوز الفتح والكسر، هذا الفتح الواجب والباقي يجوز وجهي وجهيَ.

*ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة (فمن تبع هداي) وقوله تعالى فى سورة طه (فمن اتبع هداي)؟(د.أحمد الكبيسى)

الفرق بين تبع وأتّبع، رب العالمين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿38﴾ البقرة) تاء باء عين، هذا في البقرة، وكما قلنا نحن الآن نحاول أن نتكلم في البقرة ومع من تشابه معها من السور الأخرى لكن الآية الرئيسية البقرة إلى أن ننتهي منها بعد حلقة أو حلقتين. طبعاً نحن الآن في الحلقة 11 والحمد لله أحصينا تقريباً كل المتشابهات على قدر الإمكان أو نقول أهم المتشابهات بين سورة البقرة وسور أخرى مختلفة في القرآن الكريم. هذه آية (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿38﴾ البقرة) مثلها جاءت في طه (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴿123﴾ طه) لماذا في البقرة (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) وهناك (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ)؟ طبعاً الكلام الفلسفي فيها كثير، ورب العالمين يقول عن سيدنا إبراهيم (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴿36﴾ إبراهيم) وفي مكان آخر (مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ (50) القصص) حينئذٍ دائماً إما تبعني وإما اتّبعني ناهيك عن اشتقاقاتها تَبِع زيدٌ عمراً مر به فمضى معه، يعني أنت ماشي في شارع فرأيت شخصاً واقفاً أنت مررت به ما أن حاذيته حتى صار خلفك تماماً انقياد كامل، التُبُع باللغة العربية الظل التُبع أو التُبّع الظل أنت حيث ما تسير صار ظلك معك (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا (45) الفرقان) وحينئذٍ هذا الظل يتبعك-بتسكين التاء- تماماً ولا يتّبعك- بتشديد التاء- يتبعك ما الفرق؟ يتبعك تلقائياً محاذاة كظلِّك بشكل مباشر أما يتّبعك-بتشديد التاء- فيها جهود وفيها مراحل وفيها تلكؤ وفيها مشقات وفيها أشياء كثيرة نقول أنا أتتبع المسألة حتى حللتها أو تتبعت المسألة حتى وقفت على سرها، تتبعت مرة مرتين ثلاث أربع ليل نهار هذا اتّبَع، معنى ذلك أن كلمة تَبِع إما الكفر وإما الإيمان، إما التوحيد وإما الشرك، سيدنا إبراهيم لما قال (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) بالذي صار مسلماً، قال عن الأصنام (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ (36) إبراهيم) هذا الشرك والوثنية (فَمَنْ تَبِعَنِي (36) إبراهيم) من هؤلاء تبعاً رأساً ما أن جئت أنا وأرسلني الله إليهم ومررت أقول يا جماعة اتركوا الأوثان وتعالوا نوحد الله رأساً مشوا ورائي هؤلاء تبعوني (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أما وراءها وراء ما تبعوك اتّبعوك بالأعمال يعني صلاة وصوم وحج وزكاة ويوم يذنب ويوم يتوب، كل الحركات العبادية التعبد بسرائه وضرائه، بسلبه وإيجابه، ذنب واستغفار وتوبة وخطيئة، أداء فرض وعدم أدائه وقضاء كل هذه الأعمال هذه إتّباع. نحن لما نقول الإتّباع هذا لا يعني أنك أنت مثل النبي أنت لما تقول أنا تبِعت محمداً يعني أنت مثله بالضبط ولا شعرة زيادة ولا نقص هذا لا يمكن إلا في لا إله إلا الله فقط في لا إله إلا الله أنت مثله وينبغي أن تكون مثله. أما الإتّباع أنت كيف يمكن أن تصير مثله؟! تهجد صلاة الليل والقلب النظيف والأخلاق الراقية والخ مائة ألف واو لكن أنت تحاول وتبع مطلق اتّبع نسبي. كلنا نقول لا إله إلا الله بنفس القدر وبنفس المعنى وبنفس الفهم وبنفس التوحيد وإلا ما يُقبَل. ذرة من الشرك فيها يحبط العمل هذا فمن تبعني معه على طول كالظل. اتّبع لا، واحد وراء النبي بإصبع الصحابة والتابعين والعشرة المبشرين وبيت آل النبي صلى الله عليه وسلم وواحد وراء النبي بذراع وواحد وراء النبي بكيلومتر وواحد وراء النبي بمليون كيلومتر مثلنا يعني من بعيد يعني نحاول هذه المحاولات مع الجهد مع المعوقات أحياناً اتّبع. وحينئذٍ رب العالمين حين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) يعني التوحيد أرسلت لكم نبياً يقول اتركوا الأصنام لا إله إلا الله (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴿6﴾ فصلت) هذا تَبِع على طول لا يتردد مثله بالضبط. فلما قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ) هذه الشريعة أرسلت لكم شريعة حاولوا كل واحد يطبق منها ما يستطيع (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴿16﴾ التغابن) وكل واحد على جهده وعلى قدره وعلى علمه وعلى نشاطه وعلى همته هذا إتّباع. حينئذٍ من أجل هذا نقول الفرق بين تبِع واتّبع في القرآن الكريم تبِع أنت كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! كل ابن آدم خطاء وهذا معصوم وطبعاً النبي صلى الله عليه وسلم تعرفونه لا داعي أن نشرح من أجل ذلك عليك أن تفهم لما رب العالمين مرة قال تبع ومرة اتبع هذا ليس عبثاً ولهذا المفسرون لا يقولون هذا يقولون اتّبع وتبِع وأتبع (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴿78﴾ طه) أتبعهم كان متخلفاً فلحق بهم سبقوه ( أتبع السيئة الحسنة تمحها) يعني السيئة سبقت أسبوع أسبوعين شهر شهرين فأنت أتبعها بحسنة لو كن معها بالضبط أنت ما أن أذنبت حتى تبت وأنت على الذنب يقال تبِع لكن أنت الآن لا أتبعتها هذه من زمان سبقتك وحينئذٍ (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) وحينئذٍ نقول بأن كلمة تبِع واتّبع وأتبع في القرآن الكريم كل واحدة تعطي معنىً دقيقاً وترسم جزءاً من الصورة لا ترسمه الكلمة الأخرى فعليك أن تعلم أن هذا المتشابه من أول ما ينبغي الانتباه إليه من قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴿82﴾ النساء). وحينئذٍ هذا الذي نتدبره تتبين أن هذا القرآن لا يمكن أن يفعله مخلوق (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿82﴾ النساء) كيف يمكن بهذه الدقة في كل كلمة في كل تصريف في كل فعل في كل حركة في كل صيغة ترسم صورة ثانية هذا لا يقوله إلا رب العالمين على لسان نبي. (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴿108﴾ يوسف) يتكلم هذا يتكلم عن الأمة نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكن أين أعمالنا وأين النبي؟ نحن نتّبع. إذا تبِع تأتي في العقائد إما الكفر وإما الإيمان يعني أن كفر تبعت الشيطان وأن تؤمن تبعت نبيك أو من دعاك هذا الفرق بين تبِع واتّبع، اتبع أنت بمحاولات طويلة وهي قضية مخالفات الشريعة أو تطبيق الشريعة. أخطر استعمال لكلمة اتّبع هي ما جاءت في التحذير من إبليس (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 168البقرة) ما قال تتبعوا –بتسكين التاء- هنا ما قال تكفروا إذا قالها تكون مع تتبع-بتسكين التاء- وليس تتبع –بتشديد التاء- فحينئذٍ رب العالمين يحذرنا من أن نتّبع الشيطان لا أن نتبعه، أن نتبعه إن شاء الله هذه بعيدة نتبعه نقلده في بعض الذنوب الخطيرة. فرب العالمين يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) البقرة) هذا في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) البقرة) وفي الأنعام (وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142) الأنعام) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) النور). ما هي خطوات الشيطان؟ رب العالمين بهذا التحذير الشديد وهذا النهي القوي يعني أقوى أنواع الردع (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) . كل من يقول لا إله إلا الله هو أخي وكلنا خطاءون (ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) ورحمة الله تسع كل شيء ما دمت توحد الله وتتبع الرسول ماذا يعني كل هذا؟ إياك أن تفلسف النص على حساب هواك (اتَّبَعَ هَوَاه) إياك أن تتّبع هواك لأن النصوص حمّالة أوجه ورب العالمين جعل هذه النصوص بهذا الثراء تحتمل الوجوب لكي يميز الخبيث من الطيب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت). وما من فتنة أعظم من الفتنة التي تأخذ طابع الدين كما هو الآن في العراق وباكستان وأفغانستان وفي لبنان وفي كل العالم الإسلامي الآن الفتنة دينية إما طائفية أو فئوية أو حزبية وأقولها بصراحة كلهم بلا استثناء الذين نسمعهم في الإعلام كل واحد منهم على خطوة من خطوات الشيطان والله قال (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). إذاً هذا الفرق بين تبِع وبين اتّبع ومن رحمة الله عز وجل ما قال لا تتْبعوا-بتسكين التاء- خطوات الشيطان هذه ليست لنا لو قال لا تتبعوا معناها أشركنا أقول أنا تركت الإسلام وأنا وثني هذا تبِع خطوات الشيطان من حسن الحظ قال لا تتبعوا-بتشديد التاء- كأن الله عز وجل يقول لا أخاف على هذه الأمة أن تشرك ولكني أخاف عليها أن تتّبع الشيطان لا أن تتبعه-بتسكين التاء- لن تترك دينها لدين آخر وإنما سوف تترك أحكام دينها. هذا الفرق بين تبِع واتّبع وعلينا أن نفهم جدياً حيثما وجدت تبِع يعني إما تبعت إبليس في الكفر أو تبعت محمداً أو أي الأنبياء الآخرين في التوحيد فيما عدا هذا فأنت هالك فإياك أن تهلك ولا تفرق بين تبِع وبين أتّبع وكل أفعالنا اليومية ممكن أن تقول الشر طبعاً فينا ربما نقول نكون من جماعة تَبِع أو من جماعة اتّبع فإن كنت من جماعة تبِع فأنت هالك وخالد في النار إذا كنت من جماعة اتّبع لا فأنت مذنب وعليك أن تتوب.

آية (124):

* (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) النحل) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) لما عبّر عن المؤمن الذي عمل صالحاً قال حياة طيبة ولما عبّر عن الذي أعرض عن ذكر الله تعالى قال معيشة ضنكاً، عبّر بالمعيشة ولم يقل حياة فما اللمسة البيانية والفرق بين الحياة والمعيشة؟ (د.فاضل السامرائى)

من حيث اللغة المعيشة أو العيش هي الحياة المختصة بالحيوان أما الحياة فتستعمل للأعمّ والله تعالى يقول نبات حيّ ونبات ميّت. إذا أردنا أن نصف النبات بأنه حيّ نقول حيّ ولا نقول عائش، ربنا يوصف بأنه حيّ (الحي القيوم). إذن المعيشة الحياة المختصة بالحيوان هو أخص من الحياة أما الحياة أعمّ للحيوان والنبات وتستعمل في صفات الله سبحانه وتعالى. المعيشة خاصة بالحيوان فقط أما الحياة فعامة وتستعمل للحياة المعنوية المقابل للضلال (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام). المعيشة هي لما يُعاش به (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (32) الزخرف) ليس حياتهم وإنما ما يُعاش به من طعام وشراب (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (10) الأعراف) أي ما تأكلون. عرفنا الفرق بين معيشة وحياة من حيث اللغة. يبقى كيف استعملها؟

في سورة طه لما ذكر الجنة وطبعاً الخطاب لآدم قال (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) يعني أسباب المعيشة أكل وشرب ولباس، إذن هذا سيكون مناسباً لذكر المعيشة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124)) من أعرض عن ذكر الله سيتعب حتى يحصّل المعيشة على أساس أن الله تعالى ذكر معيشة أبينا آدم قبلاً فهذه مقابل تلك. وقسم يقول المعيشة الضنك هي حياة القبر وقسم قالوا المعيشة الضنك هي الحرص على الدنيا والخوف من فواتها،الذي يعرض عن ذكر الله يكون متعلق بالدنيا ويخشى أن تزول مهما كان في نعمة يفكر في زوالها ولا يستمتع بها إذن سيكون هناك ضنك بمعنى ضيق. لو كان أنعم الناس ولكنه يعلم أنه سيفارقها وأنها تزول منه يعيش في ضنك، الحرص على الدنيا فهي مناسبة من حيث ما ذكرنا أنها جاءت بعد ذكر الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) فناسب فيها المعيشة. أما الآية الأخرى قال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) لم يذكر فيها أسباب المعيشة وإنما ذكر الإيمان والعمل الصالح قسم قال الحياة هي حياة الجنة، وقسم قالوا هي الرضى بقضاء الله وقدره يعني يستقبل كل ما يقع وما يأتي عليه بنفس راضية مطمئنة خاصة إذا علم أن هذا سيكون في ميزان حسناته.

*(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن)  مرة يذكر الإعراض عن ذكر الله ومرة يذكر الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) فهل هنالك فرق بين الإعراضين؟(د.فاضل السامرائى)

الذكر في الغالب (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) يعني عن عبادته أو عن وحيه لكن الذِكر هو عام، (عَن ذِكْرِ رَبِّهِ) عن الوحي ولاحظنا أنه يذكر أحياناً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) وأحياناً يذكر الآيات لكن من الملاحظ أنه لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذكر بمعنى الوحي، عن ذكري أي عن وحيي. الآيات ليست هي القرآن كله لو هنالك ثلاث آيات هي جمع لما يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) لا يشمل كل القرآن فالذكر أعمّ من الآيات (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص) و(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) الذكر أعم والآيات جزء من الذكر. الذكر له معاني لكن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (124) طه) يعني إما عن العبادة أو عن الوحي الذي جاء به الرسول والآيات قد تكون قسم من الذِكر والذي لاحظناه أنه لما يتكلم عن الإعراض عن الذِكر تكون العقوبة أشد يعني قال في الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) الكهف) ما عقوبة هؤلاء؟ لم يذكر العقوبة، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة) ما نوع هذا الإنتقام؟ لم يذكر. لكن قال (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) طه) هنا فصل في العذاب، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) هذا تفصيل العذاب، (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) ولم يقل في الآيات مثل هذا التهديد. إذن لما يذكر الإعراض عن الذكر يذكر العقوبة أشد وهذا منطقي لأن الذكر أعم والآيات جزء من الذكر.

سؤال: إذا قرن العذاب بالجزء ينطبق على الكل لكن لما يقرن العذاب بالكل فهل ينسحب على الجزء؟

هو ذكر ما يتعلق بالإشارة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) هذا جزء من الذكر، الآيات جزء من الذكر فعندما يذكر الإعراض عن الذكر هل يجعله من المناسب أن يذكره كالإعراض عن آية واحدة؟ هل الإعراض عن الشريعة كلها كالإعراض عن جزئية من الشريعة؟ لا، هل العقوبة واحدة؟ لا، هل يصح أن تذكر العقوبة واحدة مع الإعراض عن الكل والإعراض عن الجزء؟ لا. لو فعل هذا لسألنا كيف يكون الإعراض عن الجزء كالإعراض عن الكل؟

آية (128):

* ما دلالة الإختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) ؟(د.حسام النعيمى)

(أولم يهد لهم)-(ألم يروا)-(أفلم يهد لهم):

عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك ،وألم تر، ألم يروا ،تستعمل بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي.

القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى) :عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية ، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما عن الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع.

الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم). إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة إستفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم إهتدائهم،. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك إرتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.

لما ننظر في آيات السجدة نجد من آية (19) الى (26) (27) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.

بينما في سورة يس هناك قطع يعني استئناف. يبدأ من قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)) (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) ما قال وإن كانت إلا صيحة واحدة، ليس فيها عطف هنا فصل، والغرض من الفصل توجيه العناية والاهتمام كأنه جملة جديدة. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لم يقل ويا حسرة على العباد، ثم جاءت آية (30) و(31)) لا يوجد عطف، إستأنف لغرض التأكيد ولفت العناية و الاهتمام (ألم يروا) جعلها مستأنفة ولم يجعلها مرتبطة بما قبلهاكأنه بدأ كلاماً جديداً مع أنه مرتبط وآيات القرآن يرتبط بعضها ببعض .

في سورة طه قصة عن الآخرة نقلها القرآن إلى الواقع الحالي كأنها وقعت لأن المستقبل في عين الله سبحانه وتعالى ماضي. نجد (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)) يعني بناء على كل هذا لأن الفاء للترتيب ترتب شيئاً على شيء، هي للعطف أيضاً لكنها تفيد الترتيب والمباشرة (أفلم يهد لهم) الفاء مرتِّبة وفيها شيء من التعليل أيضاً كأنها تبيّن عِلّة مابعدها أنه هذاالذي ذكرناه ألايكون مُذكِّراً لكم؟أفلم فيها معنى العطف لكن الدلالة فيها إضافة، الفاء فيهامعنى العطف وإضافة الترتيب أماالواو فلا تقتضي ترتيباًوإنمامجرد عطف.

 (من قبلهم) و (قبلهم):

(من) لابتداء الغاية، تقول جاء فلان من كذا أي بدأ مجيئه من المكان الفلاني. فلما يقول (كم أهلكنا من قبلهم) يعني القبلية مباشرة من وجودهم هم، يعني يُذكّرهم بمن هلك قبلهم قريباً. تبدأ غاية الهلاك من وجودهم هم يعني كأن يكون من آبائهم، أصدقائهم، أصحابهم، هذا التذكير أوقع في النفس لما يراد التخويف والإنذار لأن هذه الآيات الأولى التي فيها ذكر الآخرة وفيها هزٌّ لضمائرهم أن يهتدوا كأنما أُهدي لهم هذا المعنى فينبغي أن يشغّلوا قلوبهم في هذا الأمر إستعمل عند ذلك (من قبلهم) أدعى للتخويف أن فلاناً كان معك وهلك.

(قبلهم) عامّة ليس فيها هذه اللمسة التي تذكرهم بالبداية والقبلية تشمل الجميع.

رأى آخر للدكتور أحمد الكبيسى)الكلمة وأخواتها):

 فى قوله تعالى:(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) سورة طه آية 128 تدل على آثار التاريخ القريب والآثار القريبة وهو خطاب للرسول r لأنه أدرك من رأى وعاصر هذه المرحلة فجاء الخطاب في الآية باستخدام (كلمة أفلم وكلمة قبلهم)، أما في الآية الأخرى في القرآن الكريم (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) سورة السجدة آية 26 تدل على الآثار البعيدة والماضي والتاريخ البعيد بدليل استخدام كلمة (أولم وكلمة من قبلهم). ونلاحظ في كل الآيات القرآنية التي تدل على الآثار أو الآيات يأتي الخطاب للناس بقوله تعالى أفلا تسمعون (للأخبار والآثار المسموعة) ، أفلا تبصرون (للآثار المشاهدة) أفلا تتفكرون وأفلا تعلقون (للآثار والدلائل التي فيها عبر وعظات) يجب أن يتفكر فيها الإنسان حتى يتعلم منها العبر والعظة

آية (129):

*(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) طه) لماذا أجلٌ مرفوعة؟(د.فاضل السامرائى)

هذه مسألة نحوية:

أجل معطوفة على كلمة، كلمة مبتدأ، لولا الكلمة والأجل لكان العذاب لزاماً. لزاماً خبر كان. وأجلٌ: الواو عطفت جملة ولم تعطف مفرداً يعني والأمر أجلٌ مسمى كأنه خبر لمبتدأ محذوف ويكون من قبيل عطف الجمل وليس من عطف المفردات.

آية (132):

*ما دلالة (اصطبر) فى قوله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)فى سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)

اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ﴾ [البقرة آية:٢]عرض وقفة أسرار بلاغية د.فاضل صالح

آية (٢) : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)  : * الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن من ناحية اللغة كلمة قرآن في ...