☆الجوابُ:
إن هذا من بابِ عطفِ الخاصِّ على العامِّ، و ذلك لعظم خلقها، فهي أعظم ما في الأرض.
و هذا النوع من العطفِ غير عزيزٍ في اللغة، فإنه يعطف الخاصَّ على العامِّ لأهمية المعطوفِ، و ذلك نحو قوله تعالى:《حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ》[البقرة: ٢٣٨]، فعطف الصلاة الوسطى على الصلوات؛ و ذلك لأهميةِ الحفاظِ على هذه الصلاةِ.
و نحو قوله تعالى:《مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ》[البقرة: ٩٨]، فعطف جبريلَ و ميكالَ، و هما من الملائكة؛ و ذلك لتعظيمِ منزلتِهما عند الله.
ثم إن الجبال ليست خاصةً بالأرضِ، فهي موجودة في قسمٍ من الأجرامِ السماويةِ، و على هذا فإن ذكرها أفاد ما لم يُفده ذكر الأرضِ، فربما عرض الله الأمانة على السماواتِ و الأرضِ و على الجبالِ، أينما كانت سواء كانت في الأرض أم في غيرها.
ثم إن ذكرها بعد ذكرِ الأرضِ فيه إشارةٌ إلى أمرٍ آخرَ لطيفٍ، ذلك أن الجبال إنما هي رواسٍ للأرض؛ لئلا تميد بنا، قال تعالى:《وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ》[الأنبياء: ٣١]، 《وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ》[النحل: ١٥].
و هذه الأمانةُ كالجبالِ رواسٍ للإنسانِ تثبته؛ لئلا تميد به الأهواءُ و تعصف به الشهواتُ، بل هي تُثبته في الدنيا و الآخرةِ، كما قال تعالى:《يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ》[إبراهيم: ٢٧]، و هي أدومُ من الأرضِ و الجبالِ؛ بل هي أدوم من السماوات، فإن الأرض ستزولُ و الجبالُ ستُنسف، و السماوات ستُبدل، أما هذه الأمانة فإنها باقيةٌ تثبته في الحياةِ الدنيا، و تُثبته في الآخرةِ، و تُثبته على الصراطِ لئلا؛ يسقط في جهنم.
فذكر الجبال ههنا بعد ذكرِ الأرضِ من لطيفِ المناسباتِ.
- د.فَاضل صَالح السَّامَرَّائيَّ
- أَسْئِلةٌ بَيانِيَّةٌ في القُرآنِ الكَريمِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق