الأحد، 12 ديسمبر 2021

.الفرق بين الأمثال والأمثل ...

 

...........................الفرق بين الأمثال والأمثل ............
................................ زياد السلوادي .......................
نقرأ في الآية رقم 9 من سورة الفرقان قوله تعالى ( انظر كيف ضربوا لك الأمثل فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) . ونقرأ في الآية رقم 48 من سورة الإسراء قوله تعالى ( انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) .
والملاحظ أن الآيتين تشتركان في نص واحد ، ولكن مع اختلاف في رسم كلمة ( الأمثل ، الأمثال ) حيث وردت في سورة الفرقان بغير حرف الألف ( الأمثل ) ، ووردت في سورة الإسراء بثبوت حرف الألف ( الأمثال ) .
ولأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى وهو محفوظ بكل حرف منه قراءة ورسماً ، فإن غياب حرف الألف من الرسم أو وجوده في كلمة واحدة لا بد وأن يدل على فرق طفيف في المعنى . وحين نتدبر السياق الذي وردت فيه الكلمة في جميع الآيات التي وردت فيها سرعان ما نكتشف هذه الفرق في المعنى ونتعجب من تلك الدقة القرآنية العظيمة التي تراعي وجود حرف واحد أو عدم وجوده حتى في الكلمة الواحدة التي لا يميزها السامع لأنها تقرأ بصوت واحد . وهذا الأمر لا نجد مثله في أي مكان آخر ، لا في الشعر الجاهلي ولا في النثر ولا في الخطب الفصيحة .
وقد ذكرت كلمة ( الأمثال ) بثبات حرف الألف 5 مرات في 5 آيات في القرآن الكريم ، كما ذكرت الكلمة بحذف حرف الألف ( الأمثل ) 5 مرات أيضاً في 5 آيات أخرى . وحين نتدبر هذه الآيات جميعاً نجد أن الخمس الآيات التي ذكرت فيها الكلمة بثبات الألف ( الأمثال ) تتحدث عن مثل مضروب لأشياء حسية مادية دنيوية يستطيع الإنسان أن يراها أو أن يتصورها ، بينما الخمس الآيات الأخرى التي غاب فيها حرف الألف عن الكلمة ( الأمثل ) تتحدث عن مثل مضروب لأشياء غيبية ، مثل الحديث عن الملائكة أو الحديث عن الآخرة .
ولنبدأ بتدبر النوع الأول الذي رسمت فيه الكلمة بثبات حرف الألف ( الأمثال ) :
( انزل من السماء ماء فسالت اوديه بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حليه او متع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والبطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض كذلك يضرب الله الامثال ) الرعد 17 .
نجد أن المثل المضروب في هذه الآية هو مثل حسي مشاهد يريدنا أن نفهم أن الزبد المتكون على وجه الماء الجاري في الأودية ، ومثله الزبد الطافي على وجه المعدن المصهور ، يذهب جفاء لا يستفاد منه ، بل الذي يستفاد منه هو الماء نفسه أو الحلية المصنوعة من المعدن المصهور ، والتشبيه في الآية يثبت أن الحق يشبه الماء أو الحلية اللذين ينتفع بهما بينما الباطل يشبه الزبد الذي يذهب جفاء . وهذا المثل هو مثل حسي مادي نشاهده بأعيننا في كل وقت ، ولذلك جاءت كلمة ( الأمثال ) مع ثبات حرف الألف في رسمها .
( الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمه طيبه كشجره طيبه اصلها ثابت وفرعها فى السماء ، توءتى اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون ) إبراهيم 24 ، 25 .
والمثل المضروب في هذه الآية يشبه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل في الأرض والنامية الى الأعلى وهي تطرح ثمارها في كل وقت ، وكلمة الحق تشبه هذه الشجرة من حيث ثباتها وثمارها . وهذا المثل يتحدث عن أمر حسي مشاهد بأعيننا في كل وقت ، ولذلك جاءت الكلمة بثبات حرف الألف ( الأمثال ) .
( وسكنتم فى مسكن الذين ظلموا انفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال ) إبراهيم 45 .
وهذه الآية تتحدث عن مساكن الظالمين وكيف أننا نسكن الآن في مساكنهم كما هو حاصل في الآثار الفرعونية في مصر وفي آثار قوم لوط في فلسطين وفي آثار الرومان في إيطاليا والأردن وفلسطين وغيرها ، كما أننا شاهدنا بأعيننا كيف فعل الله بهم حين دمرهم فنرى الأرض المقلوبة في مدينة أريحا في فلسطين والتي دمر الله فيها قوم لوط ، كما نرى مومياءات الفراعنة وبخاصة ما قيل عن أن رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي أغرقه الله في البحر وأنجاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية كما تقول الآية الكريمة . وإذاً فالآية تتحدث عن شيء حسي مادي مشاهد بالعين ولذلك جاءت كلمة ( الأمثال ) بثبات حرف الألف فيها .
( فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون ) النحل 74 .
الآية هنا تخاطب الناس وتقول لهم ( فلا تضربوا لله الأمثال ) ، والناس إذا أرادوا أن يضربوا الأمثال فليس أمامهم منها إلا ما هو مشاهد بأعينهم محسوس بحواسهم فهم لا يستطيعون أن يضربوا أمثالاً أشياء غيبية لا يرونها ، ولذلك جاءت الكلمة ( الأمثال ) مع ثبات حرف الألف فيها .
( انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ، وقالوا اءذا كنا عظما ورفتا اءنا لمبعوثون خلقا جديدا ) الإسراء 48 ، 49 .
والآية الأولى تستنكر ضرب الناس الأمثال ، أما الثانية فتبين استهجانهم البعث عن طريق سؤالهم ( أءذا كنا عظماً ورفتاً أءنا لمبعوثون خلقاً جديداً ) ؟ ونجد أن العظام والرفات هي من الأمور الحسية المادية المشاهدة ، ولذلك جاءت الكلمة ( الأمثال ) بثبات حرف الألف .
الأمثل
أما رسم الكلمة بغير حرف الألف ( الأمثل ) فنجد أن الآيات التي وردت فيها الكلمة تتحدث عن غيبيات كما يلي :
( الله نور السموت والارض مثل نوره كمشكوه فيها مصباح المصباح فى زجاجه الزجاجه كانها كوكب درى يوقد من شجره مبركه زيتونه لا شرقيه ولا غربيه يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شىء عليم ) النور 35 .
ففي هذه الآية يضرب الله تعالى مثلاً لنوره ، وهذا أمر غيبي لا يستطيع الإنسان أن يراه أو يحسه بحواسه ، ولذلك جاءت كلمة ( الأمثل ) بغير حرف الألف .
( وقالوا مال هذا الرسول ياكل الطعام ويمشى فى الاسواق لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا ، او يلقى اليه كنز او تكون له جنه ياكل منها وقال الظلمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا ، انظر كيف ضربوا لك الامثل فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) الفرقان 7 ، 8 ، 9 .
وهذه الآيات تتحدث أيضاً عن أمور مستحيلة لا تحدث في العادة ولا تشاهد بالأعين ولا تحس بالحواس ، مثل أن ينزل ملك من السماء فيمشي مع الرسول يهدي الناس عياناً ، أو أن ينزل كنز من السماء للرسول يستخدمه في معيشته . ولأن هذه غيبيات لا تحدث فقد جاءت الكلمة ( الأمثل ) بغير الألف .
( وقوم نوح لما كذبوا الرسل اغرقنهم وجعلنهم للناس ءايه واعتدنا للظلمين عذابا اليما ، وعادا وثمودا واصحب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ، وكلا ضربنا له الامثل وكلا تبرنا تتبيرا ) الفرقان 37 ، 38 ، 39 .
تتحدث الآية عن ( أمثل ) ضربها الله تعالى لقوم نوح ولعاد ولثمود ولأصحاب الرس ولأقوام أخرى بينها ، وهذه ( الأمثل ) لم تفصح لنا الآيات ماهيتها ، فهي غيب بالنسبة لنا ، ولذلك جاءت الكلمة ( الأمثل ) بغير حرف الألف .
( مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ، ان الله يعلم ما يدعون من دونه من شىء وهو العزيز الحكيم ، وتلك الامثل نضربها للناس وما يعقلها الا العلمون ) العنكبوت 41 ، 42 ، 43 .
آية العنكبوت تتحدث عن بيت للعنكبوت مع أن نسيج العنكبوت هو مسكن العنكبوت مثلما أن قرية النمل هي مساكن للنمل كما أخبرتنا آية النمل ( يأيها النمل ادخلوا مسكنكم ... ) ، والمسكن ليس هو البيت وهناك فرق جوهري بين معنى البيت ومعنى المسكن ، كما شرحت في البحث الخاص بهما ، وقد فسر السلف بيت العنكبوت بأنه نسيجها وقالوا إنه لا يقي من برد ولا من حر ولا يصمد للريح .. الخ . مع أن علماء العصر يقولون إن خيط العنكبوت يتحمل قوة شد بأكثر من مثل سمكه من الحديد بخمسة أضعاف . وإذاً فإن كلمة بيت هنا تحمل في معناها معنى الأسرة أيضاً ، وحيث أن العنكبوت تقتل زوجها الذكر مباشرة بعد التلقيح فإن بيتها ( من ناحية المعنى الأسري ) هو أوهن البيوت . والآيات تذكر العلم مرتين ، الأولى ( لو كانوا يعلمون ) ، والثانية ( وما يعقلها إلا العالمون ) . وحيث أن القرآن يقرر بأن ( أكثر الناس لا يعلمون ) ، فإن ضرب مثل بيت العنكبوت هو من الأمور غير المحسوسة للعامة أو لأكثر الناس ، ولذلك اقتضى السياق أن تأتي كلمة ( الأمثل ) بغير حرف الألف .
( لو انزلنا هذا القرءان على جبل لرايته خشعا متصدعا من خشيه الله وتلك الامثل نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) الحشر 21 .
وهذه الآية تبدأ بكلمة ( لو ) وهي كلمة شرطية تستخدم في فرض المستحيلات ، حيث أن أدوات الشرط هي ( إذا ، إن ، لو ) ، فأما الأولى ( إذا ) فجواب الشرط فيها حتمي الوقوع ، وأما الثانية ( إن ) فجواب الشرط فيها هو بنسبة 50% أي يمكن أن يحدث ويمكن ألا يحدث ، مثل ( كتب عليكم إذا حضرأحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية ... ) ، فقوله إذا حضر أحدكم الموت يعني أن الموت سيحضر لا محالة ، أما قوله إن ترك خيراً فهناك من الأغنياء من يترك وهناك من الفقراء من لا يترك ، أما ( لو ) فاستخدامها يكون لمستحيلات الحدوث . وهذه الآية بدأت بقوله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل، وهذا يعني أن الله تعالى لا ينزل قرآناً على الجبال ، ولكن المثل يريد أن يفهمنا مدى تأثير القرآن ، ولأن هذا الأمر لا يحدث ولا نحسه ولا نشاهده فقد جاءت الكلمة بغير الألف ( الأمثل ) .
والآن انظر الى بعض هذه المقتطفات :
( وحور عين ، كأمثل اللؤلؤ المكنون ) الواقعة 22 ، 23 .
فالحور العين غيب من غيوب الآخرة ، ولذلك جاءت كلمة ( كأمثل ) بغير ألف .
أمثالكم
( وما من دابه فى الارض ولا طءر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا فى الكتب من شىء ثم الى ربهم يحشرون ) الأنعام 38 .
دواب الأرض وطيورها معروفة لنا وليست غيباً ، ولذلك جاءت الكلمة ( أمثالكم ) بالألف .
أمثلكم
( هانتم هوءلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه والله الغنى وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثلكم ) محمد 38 .
هذه الآية تتحدث عن قوم يهددنا الله تعالى بأن يستبدلهم بنا ، ونحن لا نعلم عن هؤلاء القوم شيئاً ، فهم غيب بالنسبة لنا ، ولذلك جاءت الكلمة ( أمثلكم ) بغير ألف .
أمثالها
( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ) الأنعام 160 .
الحسنة أمر مشاهد محسوس نعرفه ، ولذلك جاءت الكلمة ( أمثالها ) بالألف .
أمثلها
( افلم يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان عقبه الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكفرين امثلها ) محمد 10 .
كلمة ( أمثلها ) هنا تتحدث عن طريقة من طرق الدمار غيبية ، وإن كنا نعرف بعض طرق دمار الأمم قبلنا إلا أن الآية تتحدث عن دمار بطرق لا نعرفها فهي غيب ، ولذلك جاءت الكلمة ( أمثلها ) بغير ألف .

وعليه ، فإن ثبات الألف في ( الأمثال ) يدل على أنها مادية محسوسة دنيوية ، أما حذف الألف من الكلمة ( الأمثل ) فيدل على أنها غيبية أو أخروية أو مستحيلة علينا . والله تعالى أعلى وأعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ﴾ [البقرة آية:٢]عرض وقفة أسرار بلاغية د.فاضل صالح

آية (٢) : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)  : * الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن من ناحية اللغة كلمة قرآن في ...