غياب ياء المتكلم عن (تعلمنِ) ورسمها في (علمني)
زياد السلوادي
نقرأ في سورة الكهف ما قاله موسى للعبد الصالح:
(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علمت رشدا) الكهف: 66.
فنجد أن كلمة (تعلمن) التي أصلها (تعلمني) قد غابت عنها ياء المتكلم.
ونقرأ في سورة يوسف ما قاله يوسف لصاحبي سجنه:
(قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي..) يوسف:37.
فنجد أن ياء المتكلم مرسومة في كلمة (علمني).
فما هو الفرق بين أن ترسم الياء في الكلمة وأن تغيب عن الرسم؟
قد بينا فيما مضى من أمثلة على ذلك في (من يهدي الله فهو المهتد، ومن يهدي الله فهو المهتدي) وفي ( ذلك ما كنا نبغ، قالوا يأبانا ما نبغي) وفي ( وما أنت بهد العمي، وما أنت بهدي العمي) أن وجود الياء في الكلمة يأتي في سياق الحديث عن أمر كلي، وأن غيابها عن الرسم في نفس الكلمة في موضع آخر يأتي في سياق الحديث عن أمر جزئي.
وفي الآيتين موضوع البحث نجد أن موسى طلب من العبد الصالح أن يعلمه مما عُلّم (جزءً) معيناً من علمه الغزير، أي أن تعليم العبد الصالح موسى سيكون مختصاً بجزئية من علم العبد وليس بجميع ما يعلمه، ولذلك نجد السياق يقول (تعلمنِ مما عُلّمت) أي جزء مما علمك الله، ولهذا حذفت الياء من كلمة (تعلمن) لتفيد أن الحديث هنا هو أمر جزئي.
أما قول يوسف لصاحبيه (ذلكما مما علمني ربي)، فرغم أن تأويل الأحاديث هو جزء مما علمه ربه إلا أن الياء رسمت في (علمني ربي) لتفيد أن ما علمه ربه هو علم واسع وغزير، وكلمة (علمني) هنا لا تقابل (تعلمن) في آية موسى والعبد بل تقابل فيها كلمة (عُلّمت)، ولو أن يوسف قال (ذلكما هو ما علمن ربي) لصار المعنى أن الله لم يعلمه شيئا غير تأويل الأحاديث، ولكن قوله (ذلكما مما علمني ربي) يشير الى علم واسع وغزير لم يطلع صاحبيه منه إلا على تأويل الأحاديث فقط. ولأن ما علمه ربه هو علم واسع فقد أثبتت الياء في الكلمة.
والخلاصة:
غابت الياء عن (تعلمنِ) لأنها تشير الى جزئية من العلم.
وأثبتت الياء في (علمني) لأنها تشير الى علم واسع غزير.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق