الفرق بين رسم (يعفوا) ورسم (يعفو)
زياد السلوادي
أصل معنى (العفو) في اللسان العربي هو إزالة الشيء ومحو أثره، يقال: عفت الريح الأثر، أي مسحته ومحته وأزالته، ثم انسحب المعنى الى ما سواه في مثل: عفا عن المسيء وعفا له ذنبه وعفا عن ذنبه، أي صفح عنه وترك عقوبته، ويقال: عفا عن الشيء، أي أمسك عنه وتركه، ويقال: عفا عن الحق، أي أسقطه وتنازل عنه، ويقال: عفا على ما كان منه، أي أصلح بعد الفساد. ويمتد المعنى أيضاً ليشمل معنى الكثرة، يقال: عفا الشيء، أي كثر وطال، ومنها قوله تعالى (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) الأعراف: 95. ومنها الحديث الشريف (أعفوا اللحى) أي أطيلوها. والعفو أيضاً هو فضلة المال الزائد عن الحاجة لكثرة المال. (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) البقرة: 219.
وما يهمنا هنا هو دقة الرسم القرآني للفعل المضارع (يعفوا ، يعفو)، حيث ورد في القرآن الكريم 5 مرات، رسم في أربع منها بإثبات حرف الألف (يعفوا)، ومرة واحدة فقط بغير الألف (يعفو).
فأما ما رسم بالألف ففي:
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) البقرة: 237.
(يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتب ويعفوا عن كثير..) المائدة: 15.
(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون) الشورى: 25.
(وما أصبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) الشورى: 30.
وأما المرة التي رسمت بغير الألف ففي:
(فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً) النساء: 99.
وبملاحظة الآيات الأربع التي ورد فيها الرسم مثبت الألف (يعفوا)، نجد أن العفو فيها قد تحقق، ففي آية البقرة يتحدث السياق عن مهر المرأة التي تطلق قبل الدخول وتفرض لها نصف مهر إلا إذا عفت المرأة أو وليها الذي بيده عقدة النكاح عن أخذه، وفي هذه الحالة فالعفو تام متحقق، ولذلك جاء الفعل (يعفوا) مثبت الألف. وفي آية المائدة يتحدث السياق عن أن الرسول عليه السلام قد جاء يبين لأهل الكتاب كثيراً مما يخفونه (ويعفوا) أو يسكت عن كثير، والعفو هنا متحقق أيضاً. وفي آية الشورى 25 يتحدث السياق عن أن ربنا جل وعلا يقبل التوبة عن عباده (ويعفوا) عن السيئات عفواً متحققاً. وفي آية الشورى 30 يتحدث السياق عن أن المصائب التي تصيبنا سببها ما اقترفت أيدينا، ومع ذلك فإن كثيراً مما اقترفت أيدينا (يعفوا) الله تعالى عنه فلا تصيبنا منه المصائب، والعفو هنا متحقق أيضاً.
أما الآية الوحيدة التي جاء فيها الرسم (يعفو) بغير حرف الألف فإن السياق فيها يتحدث عن عفو مرجو ومنتظر ومأمول لقوله تعالى (عسى الله أن يعفو عنهم) ولكنه لم يتحقق بعد.
ومما سبق نتبين أن وجود الألف يعني مسافة مكانية معنوية تصل بين اثنين، هما العافي والمعفو عنه، وأما غياب الألف فيشير الى أن العفو لم يتحقق والمسافة بين العافي والمعفو عنه لم توجد بعد.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق