الاثنين، 24 يونيو 2024

لماذا قال:《ٱلتَّلَاقِ》فحذفَ الياءَ و لم يقل: (التلاقي)؟ 🖋- د.فاضل صالح السَّامَرَّائيِّ 📚- أَسْئِلَةٌ بَيَانِيَّةٌ في القُرْآنِ الكَريمِ

 


☆الجوابُ:
من الظَّواهرِ التَّعبيريةِ في القرآنِ الكريمِ أنه إذا كان الحدث دونَ الاكتمالِ اقتطع من حروفه، و إذا كان حدثان بعضعها أطولُ من بعضٍ، أو كان وقوعه أكثر، اقتطع مما هو أقصرُ، و قد ضربنا في كتابنا: (بلاغةُ الكلمةِ في التعبير القرآني) أمثلة لذلك، كما في نحو《اسْطَاعُوا》و《اسَتَطَاعُوا》، و《تَنَزَّلُ》و《تَتَنَزَّلُ》، و《تَوَفَّاهُمُ》و《تَتَوَفَّاهُمُ》و غيرها*(١).
و في هذا اليوم -أي يوم القيامة- ليس التلاقي كما في الدنيا من حيث الطول و تبادل الحديثِ، فإن المتلاقين لا يُفيضون في الحديثِ و بثِّ الأشواقِ، و لا يحدِّث بعضهم بعضاً عمّا جرى لكلٍّ منهم في الفراقِ الطويلِ بينهما، فإن هذا اليوم إنما هو يوم الفرارِ الأكبرِ، كما قال تعالى:《يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ ٱمْرِئٍۢ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍۢ شَأْنٌۭ يُغْنِيهِ》[عبس: ٣٤-٣٧]، و لا يسألُ أحدٌ صاحبه عمّا جرى له كما أخبر ربُّنا بذلك فقال:《وَلَا يَسۡـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمٗا》[المعارج: ١٠]، أي: لا يسأل قريبٌ قريباً فكيف بالأباعدِ؟
و كما قال أيضاً:《فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ》[المؤمنون: ١٠١].
و من هذا يتبين أن التلاقي يوم القيامةِ ليس كما في الدنيا، من حيث بثُّ المشاعرِ، و سماع الحديثِ، و طُول المُكثِ بينهم، و إنما هو فرارٌ من غيرِ مُساءلةٍ، فإن لكلِّ امرئ شأناً يغنيه حتى يقضي الله بين عباده، و تُجزى كلُّ نفسٍ بما كسبت.
فاقتطع من الحدثِ؛ ليدل على أنه ليس حدثاً مكتملاً، يجري فيه ما يجري مع المتلاقين في الدنيا.
هذا علاوةً على مناسبةِ الحذفِ لفواصلِ الآياتِ، و الله أعلمُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق