السبت، 22 مايو 2021

ما الفرق بين كلمة أفواههم وألسنتهم

 

ما الفرق بين كلمة أفواههم في قوله تعالى في سورة آل عمران (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) وألسنتهم في سورة الفتح (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (11))؟ (د.حسام النعيمى)
في كثير من الأحيان الإنسان يقف عند جزئية في بعض الآية ولا تكون ظاهرة. اللسان هو جزء من الفم والأصل في الكلام أن نقول: قال فلان كذا (قال لي ذهبت) لا نقول قال بلسانه أو قال بفيه إلا إذا أردت التأكيد فتقول : قال بلسانه. هل قال لك فلان شيء؟ تقول نعم قاله لي بلسانه، سمعت ذلك بأذني، رأيت الأمر بعيني،هذا لما يكون هناك تأكيد. والصورة الثانية لما يريد المخالفة لما في نيّة الإنسان فتقول: قال بلسانه غير ما يُبطن وغير ما يُخفي. عندنا صورتان للإستعمال: فهي إما للتأكيد أو للموازنة لما يبطنه. فقال بلسانه غير ما في قلبه (لما يكون مقابلة). لكن لماذا يستعمل اللسان مرة والفم مرة؟ والعلاقة بين اللسان والفم علاقة مكانية. السؤال هو: لم تستعمل هذه اللفظة بدل هذه الفظة؟
الآية التي فيها بأفواههم (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) اللسان جزء من الفم. أولاً عندنا قاعدة عامة: لم يذكر القول باللسان أو بالفم إلا وهو في موضع الذمّ في القرآن الكريم حصره العلماء. لكن لماذا يقول هنا أفواه ولماذا هنا ألسنة؟ اللسان جزء من الفم معنى ذلك أن الكلمة التي تخرج من اللسان أو باللسان كلمة طبيعية. لكن بفمه كأنه يملأ بها فمه فيها إشارة إلى نوع من المقاليد، نوع من الثرثرة والتعالي ونوع من التفخيم والتضخيم، إلى الآن تقول: يملأ فمه بالكلمات، قال بالفم الملآن. هذا ليس في موضع المديح في القرآن. الكلام هنا في الآية على المنافقين (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) هذه قبل أُحُد والآية نزلت بعد أحد. المنافق لا يريد أن يخرج وهو متعالٍ بل إن بعض هؤلاء كانت تُحاك له الخِرز ليكون ملكاً على المدينة قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم فبأي ترفّعٍ وتعالٍ يقولها (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم) يعني سوف لا يكون هناك قتال. كأنما بملء أفواههم قالها المنافقون، لم يكتفوا بأنهم قالوا (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم). لكن (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم) أفواههم مليئة بهذه الكلمات. كلمات التعالي والتشدّق أن يميلوا أشداقهم بالكلمات. منافقون يتكلمون عن قتال (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم) فإذن هنا تصلح (بأفواههم). أما ألسنتهم: فالموقف كان مختلفاً. لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى مكة إستنفر القبائل أن تأتي معه.

لما نأتي إلى الآية الثانية (بألسنتهم) الصورة إختلفت هؤلاء الذين يقولون بألسنتهم هم من الأعراب ليسوا من المنافقين لأن الرسول صلى الله عليه وسلمعندما ذهب للعمرة إستنفر المسلمين وإستنفر الأعراب أن يأتوا معه تحسّباً لحدوث قتال وساق الهديَ تحسباً. والأعراب كانوا خارج المدينة ومسلمين فإستنفرهم صلى الله عليه وسلم ليأتوا معه فهؤلاء كأنهم تخوّفوا فتخلّفوا. لما تخلّفوا وعقد الرسول صلى الله عليه وسلم المعاهدة ورجع ولم يلق شراً بل والمعاهدة كانت في صالح المسلمين في حقيقتها فجاءوا مخذولين أذلاّء ويرجون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم. بماذا إعتذروا؟ إعتذروا (شغلتنا أموالنا ) هم لم يكن عندهم مشاغل فهؤلاء لم يكونوا يتكلمون من علو وإنما كانوا يتكلمون بإنخفاض وبنوع من المذلة يعتذرون للرسول صلى الله عليه وسلم (إستغفر لنا) بخلاف أولئك. أولئك كانوا يتكلمون من علو وتكبّر. هؤلاء لم تكن لديهم صورة تكبّر وإنما أعراب تخلّفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قطعاً كذب والعلماء يقولون: حيث وردت يقولون بألسنتهم أو بأفواههم فهو خلاف الحقيقة هم كانوا يكذبون لكن يكذبون بتواضع ويكذبون بذلة بخلاف أولئك يكذبون بتكبر فالذي كان يكذب بتكبّر قال (بأفواههم) لكن هؤلاء المستضعفين جاءوا مخذولين (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا) يطلبون الإستغفار أما أولئك فلم يطلبوا إستغفاراً ولا طلبوا شيئاً. هنا لا يناسب الأفواه لأن الأفواه تأتي مع التكبّر فلو عكس يختل المعنى. لو قال للمنافقين بألسنتهم يضعف الحال ولا يصور حالهم هم كانوا متكبرين فقال بأفواههم وليس بألسنتهم. وهؤلاء كانوا معتذرين فلا تتناسب بأفواههم. الصورة لا تتناسب فكل كلمة في القرآن في مكانها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفرق بين المرضع والمرضعة ؟

  تأملات في البلاغة القرآنية : قال تعالي : " يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع ك...