الخميس، 15 أكتوبر 2020

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾

 

 
الإعجاز الرباني في قوله تعالى:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222]

اعلم أنَّ بابَ الحيض من عويص الأبواب، ومما غلط فيه كثيرٌ من الكبار لدقَّة مسائله، ولكن إذا اطَّلَعْت على النصوص الشريفة الخاصة بهذا الباب، فلسوف تعلم أنَّ هذه الأحاديثَ هي وحيُ الله عز وجل لرسوله الأميِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنها قد اشتملت على حقائقَ طبيَّةٍ، وقواعد صحية لم يكشف النقاب عنها إلا في هذا العصر.
وحسبي هنا أنْ أبيِّن حكمةَ الله تعالى في تجنُّب معاشرةِ المرأة أثناء الحيض.

فما هو الحيض؟  

الحيض: هو الطمث بمعنى الدم الذي يَنفُضه رحم المرأة بصورة دورية كلَّ شهر قمريٍّ غالبًا خلال فترة نشاطها الجنسيِّ، ويمتدُّ من البلوغ إلى سنِّ الإياس، ولهذا يسمَّى الحيض أيضًا بالدورة الشهريَّة، ويتوقَّف الحيض مؤقَّتًا أثناء الحمل والنفاس، وقد يتوقَّف مؤقتًا أو نهائيًّا بسبب بعض الأمراض.
وسبب الحيض نشاط المبيض واستعداده لإطلاق إحدى البويضات Ovum، ويصاحب هذا الاستعداد ارتفاع في نسبة هرمون d الأنوثة (الإستروجين والبروجسترون) اللذين يهيئان الرحم للحمل؛ إذ ينشِّطان الغشاء المبطن للرحم، ويسبِّبان احتقان عروقِه الدموية، فإن انطلقت البويضة (في منتصف الدورة الشهرية تقريبًا)، ولم تلقح بنطفة الرجل؛ فإنها تتحلَّل وتموت في غضون 24ساعة، وتتراجع نسبةُ الهرمونات إلى معدَّلها الطبيعيِّ، فتتساقط في بطانة الرحم، وتخرج على هيئة دمٍ عبر عنق الرحم إلى المِهبل، ومنه إلى خارج الفرج.
هذا هو الحيض الذي يأتي مباشرةً من العُروق الدمويَّة، بل من بطانة الرحم خلافًا لدم الاستحاضة، الذي هو نزف غيرُ طبيعيٍّ يخرج مباشرةً من العروق، وصَدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّن هذه الحقيقة العلميَّة قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، حين سألَتْه فاطمةُ بنتُ أبي حبيش رضي الله عنها: يا رسول الله، إني لا أطهر أفأَدَعُ الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك عِرْق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاةَ، فإذا ذَهَب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلِّي))؛ (أخرجه البخاري والنسائي وغيرهم).

دم الحيض:
 يفرز الرحم في أيام الحيض كمية من الدم تتراوح ما بين 60 - 240سم3 مكعب، ويميل لونه إلى السواد، وهو يتخثر داخل الرحم، ثم يتحلَّل، ويخرج سائلًا غير قابلٍ للتخثُّر مرةً أخرى، وهذه هي إحدى أهمِّ صفات دمِ الحيض الذي يمكن بقاؤه على هذه الحال لسنوات طويلة، ولأنه دم ناتج مِن تقشُّر سطح الرحم الباطنيِّ الداخليِّ، ويشتمل على مزيجٍ من الخلايا الميتة، فيعرف دم الحيض برائحته النتنة.

سن الحيض:

 في المعدل تبدأ الفتاةُ الحيضَ في سنِّ 12 سنة، ولكن هذا لا يعني أنَّ جميعَ الفتيات يبدأن الحيض في هذا العمر؛ حيث من الممكن أن تبدأ الحيض في أيِّ وقت بين عمر 8 سنوات و16 سنة، وطرحت نظريات كثيرة لتفسيره؛ أشهرها الاستخدام الواسع للهرمونات في الأطعمة، ويعتبر متوسط بداية الحيض وبداية الدورة الشهرية ثلاثة عشر عامًا، تختلف بين الأجناس المختلفة، وتبدأ في أعمار أقلَّ لدى الإفريقيات؛ فالبيئة لها أَثَر في ابتداء نزول دم الحيض، ويستمرُّ مع المرأة حتى سن اليأس ما بين 40 عامًا و55 عامًا، ومدة نزول الحيض تتراوح بين يومين وستة أيام، تختلف بين امرأة وأخرى، وقد فصل الفقهاء مدة الحيض في كتب الفقه.
فائدة ربانية: إذا حملت المرأةُ انصرف ذلك الدم بإذن الله تعالى إلى تغذية الجنين.
قوله تعالى: ﴿ هو أذًى ﴾؛ "سمَّى الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته، ومِن ثَمَّ وجب على الرجال أن يعتزلوا موضع الحيض من النساء وهو الفرج، وهذا الموضع في ذاته ليس أذًى؛ لأنه موضع استمتاعٍ للرجل والمرأة، ولكن ما يخرج منه وهو دم الحيض هو الأذى، فاعتزال الموضعِ لأجل ذلك الأذى؛ بدليل أنَّ الموضع يباح الاستمتاع به بعد ارتفاع الدم واغتسال المرأة.
وإنَّ الحقَّ الذي لا مرية فيه أنَّ الله تعالى إذا أخبر عن شيءٍ أنَّ فيه أذًى، أو أَمَرَنا بشيء ونهانا عن شيء، فالأمر مقطوع بالامتثال والالتزام؛ لأنَّ ما يعلمه الله تعالى لا يمكن أن يصل البشرُ إلى معرفته، وهو سبحانه يعلم مصالحَ العبادِ، ويعلم ما ينفعهم وما يضرُّهم.
وقد جاء العلماءُ وبحثوا في هذه القضية القرآنية (هو أذى)، ليثبتوا إعجاز القرآن الكريم من ناحية، وقدرة الله البالغة من ناحية أخرى، وقد أثبت الطب الحديث الأضرار المترتبة على جماع الحائض والنُّفَساء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفرق بين المرضع والمرضعة ؟

  تأملات في البلاغة القرآنية : قال تعالي : " يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع ك...